إهداء المصاحف في مكة المكرمة من أعظم القربات، وأجلّ أبواب الخير، خاصة إذا وُزِّعت على الحجاج والمعتمرين في رحاب بيت الله الحرام. فالمصحف هدية لا تندثر، وكلام الله إذا سكن قلبًا أحياه، وإذا لامس عينًا أبكاها، وإذا نُطق به هدى.
في أطهر بقاع الأرض، حيث يُضاعف الأجر وتُرفع الدرجات، يكون إهداء المصحف عملاً باقياً، وأثرًا لا ينقطع، يجري به الثواب ما دام يُقرأ ويُتلى.
فكم من حاجٍ حمله معه إلى بلده، وكم من معتمرٍ جعله زادًا لدربه، وكم من بيتٍ أُنير بنوره.
إن المصحف ليس كتابًا ورقيًا فحسب، بل هو سر الهداية، ودليل النجاة، وروحٌ تُبثّ في القلوب المتعطشة لمعرفة طريق الله. حين يُهدى المصحف لحاج أو معتمر، قد يكون ذلك بداية عهد جديد مع القرآن، بداية تلاوة، أو محاولة حفظ، أو عادة تدبر، تستمر معه بعد عودته إلى بلده، وربما تمتد إلى أسرته وأطفاله ومن حوله.
إن من يُهدي المصحف لا يدرك غالبًا حجم الأثر الذي يتركه، فالحرف بعشر حسنات، وكل تلاوة يتلوها صاحب المصحف تضاف في ميزان من قدّمه، وكل دمعة خشوع، وكل دعوة صادقة، وكل هداية حدثت بسبب هذا الكتاب، هي أجر متواصل لا ينقطع، وفضل لا يُحصى.
وفي مكة على وجه الخصوص، تتجلى قيمة هذا العمل أكثر من أي مكان آخر؛ فهنا نزل الوحي، وهنا بدأ النور الأول، وهنا تُتلى آيات الله آناء الليل وأطراف النهار. فما أكرم أن يُهدى كلام الله في المكان الذي نزل فيه، وفي الزمان الذي قصد فيه الناس البيت العتيق، تطلعًا إلى المغفرة والقبول.
كما أن توافد الحجاج والمعتمرين من كل بلاد المسلمين، يجعل من هذا العمل بابًا لنشر القرآن في الآفاق، فالمصحف الذي اُهدي لا يبقى حيث وُزِّع، بل يُحمل في الحقائب والقلوب، ويصل إلى أطراف الأرض، ليُقرأ بلغات ولهجات وثقافات شتى، ويظل رابطًا روحيًا بين مكة والعالم الإسلامي بأسره.
كل حرف يُقرأ من هذا الكتاب العظيم، في ميزان من أهداه، وكل تدبر وسكينة وطمأنينة تُستمد من آياته، هي صدقة لا تنقطع، وفضل لا يُعد ..
966533399600
مكة المكرمة - حي الشوقية - شارع عبدالله بن العباس